تحويل المدن الذكية إلى مدن قادرة على الصمود في وجه الأزمات

 

بقلم الدكتور طارق أسلم، مدير أڤيڤا في الشرق الأوسط وإفريقيا

في ديسمبر 2020 أصبحت دبي واحدة من أولى مدن الشرق الأوسط التي تتبع نهجًا قائمًا على البيانات في الحوكمة، وذلك عندما أطلقت لوحة القيادة الشاملة لاتخاذ القرارات الصائبة بشكل فوري. وفيما يخص جدوى الاستخدام، فإن الأداة الجديدة تتيح للسلطات توقع عدد من الحالات المحتملة باستخدام المعادلات الوبائية الحالية، إلى جانب تمكينها من تحديد المناطق المعرضة لخطر التحول إلى بؤرة للعدوى. ومن خلال تجميع البيانات الحكومية المالية والتعاقدية والمرتبطة بالموارد البشرية على نطاق الصورة الكاملة، مع التركيز على الرؤية المفصلة في الوقت ذاته، تمكنت المدينة من تحسين قدرتها على الصمود وتعزيز إمكانات العودة إلى الوضع الطبيعي الجديد.

أصبحت القدرة على الصمود – سواء للمدن أو المؤسسات – محطّ تركيز أساسي في ظل الجائحة، وهو مصطلح يعكس قدرة المدينة على ضمان الاستمرارية في أوقات الكوارث والتمكن من إعادة البناء سريعًا والازدهار بعد وقوع الحدث. يعتمد ارتفاع مستويات الصمود في المدن على البنية التحتية النوعية والمجتمعات المترابطة والحوكمة السليمة – وعندما تتضافر تلك المكونات معًا، يصبح بوسع المدن التعايش مع الأزمة والعودة سريعًا إلى ما كانت عليه مهما كانت صعوبة الوضع.

بيانات متكاملة لقرارات أكثر ذكاء
تعمل المدن الذكية على تحسين كفاءة العمليات والخدمات في المدن وترتبط بالمواطنين من خلال استخدام مراكز متكاملة للقيادة والتحكم، حيث تعمل تلك الوحدات المركزية على دمج أجهزة تقنية الاتصالات والمعلومات عبر شبكات إنترنت الأشياء لإدارة الخدمات الحيوية خلال الأزمة وبعدها.

وقد أظهرت لنا الجائحة دور التحول الرقمي في مساعدة المؤسسات على التطور لتصبح كيانات غير مرتبطة بالموقع ويمكنها الربط بين العاملين عن بعد فيما تحقق نتائج محسّنة. وفيما ننتقل إلى وضع طبيعي جديد في عالم ما بعد الجائحة، فإن القدرات الرقمية ستستمر في كونها مقياسًا للصمود الاقتصادي.

تعمل البيانات والتحليلات الموحدة على تزويد المؤسسات الذكية – ومشغلي المدن الذكية – بمعلومات أكثر مصداقية يمكنهم الاعتماد عليهم لمساعدة السلطات في فهم البيانات واستخدامها عبر مختلف التطبيقات اللازمة لاستمرارية المدينة. وبالمثل، يمكن لتقنية الذكاء الاصطناعي الاستفادة من البيانات في تجربة الحلول المختلفة من أجل تحقيق أقصى أثر ممكن وتوفير سيناريوهات واقعية للنمذجة من أجل تعزيز القدرة على الصمود. ومن خلال الذكاء الاصطناعي، يمكن إجراء وتكرار الاختبارات عبر مجموعة لا نهائية من السيناريوهات لتحديد الحلول ذات القيمة الأعلى بشكل آلي، مع توفير وقت المطورين للمشاكل الأكثر إلحاحًا وأهمية.

أعلى مستويات الأداء بأقل تكلفة
تسمح المرئيات المستمدّة من البيانات بإيجاد بنية تحتية أكثر مرونة وتساهم في صياغة مستقبل أكثر استدامة. فاستخدام أكثر التقنيات تطورًا في بيئة البيانات الموحدة يسمح لفرق العمل بتعزيز الأداء إلى الحدود القصوى فيما يخفض التكلفة والتأخير إلى أقل مستوياتهما ويضمن كفاءة العمليات التشغيلية. ويؤدي ذلك بدوره إلى تقليل استهلاك الطاقة وتخفيض الانبعاثات الناجمة عن النماذج الذكية أو تلك التي ترافق تدني الحاجة للتنبيهات الطارئة. وفي ظل ارتباط المرونة الاقتصادية بالبنية التحتية الرقمية للمدينة، وبالنظر إلى النمو الهائل في معدلات استهلاك البيانات، فإن المدن التي تستثمر في التقنيات المبتكرة ستكون السباقة للازدهار في السنوات المقبلة.

تعمل أڤيڤا مع كبرى المدن، مثل لندن الرائدة في تقنيات المدن الذكية، بالإضافة إلى عدد من المدن الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها 50 ألف نسمة أو أقل، والتي تسعى للاستفادة من التكنولوجيا لتحسين الاستدامة والقدرة على الصمود في وجه الكوارث والأزمات. فحلولنا تساعد في توحيد عمليات المدن لضمان الخدمات الآمنة والموثوقة والمرنة، بينما يمثل مركزنا للعمليات الموحدة حلول القيادة والتحكم الخاصة بالبنية التحتية ومشغلي المدن الذكاء، والتي تقوم على نهج تكاملي لنظام يجمع كافة الأنظمة معًا. يمكن استخدام تلك الحلول لجمع المعلومات من مختلف مصادر البيانات وتوقع وحل المشاكل حتى قبل وقوعها، وتنسيق الموارد والعمليات المتنوعة لتسير بسلاسة دون انقطاع، ولاتخاذ القرارات الاستراتيجية بشكل عام. ويمكن من خلال تلك الحلول رصد عمليات المدينة بالكامل والتحكم بها عبر الحلول التي تسميها أڤيڤا “المدينة في صندوق”، حيث تعمل حلول مركز العمليات الموحدة حاليًا لتخطيط مدينة نافا رايبور الجديدة في الهند كما تستخدمها شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك). تعتمد تلك المشاريع على التحول الرقمي لتحقيق التحسن التشغيلي وتعزيز الذكاء ضمن عملية تهدف إلى رفع القدرة على الصمود في وجه الكوارث.

وبالمقارنة مع المناطق الحضرية والمدن الأخرى، فقد استفادت كل من دبي وأبوظبي من مكانتها كمدن ذكية فيما يتعلق بالجاهزية لمواجهة الجائحة، لتقود الطريق أمام المدن الأخرى في المنطقة. وعلى الرغم من كون التحول الرقمي عملية ديناميكية ومعقدة تتطلب الالتزام الفعلي والتفاعل من أعلى المستويات، إلا أن المردود مؤثر للغاية ويعود بالنفع على الأفراد والمجتمعات والعالم بأسره.